الجمعة، 8 يونيو 2012

كلنا في الهوا سوا




بعد يومين من وصولي مدينة جدة الجميلة بساحلها الأخاذ وناسها الطيبين وكرمهم المعهود، كنت في ضيافة صديقِ حميم، وكان المجلس خليط من الشباب المثقف المتحضر الواعي، هذه نظرتي الأولى متفائلاً، وحسب ما رأيت من أشكالهم وهندامهم الرائع..

بعد السلام والتحية والترحيب أجلسني صديقي في صدر المجلس، وبدأ الشباب يتحدثون، وكان بداية الحديث عن عالم المستديرة (كرة القدم) وعن مبارة (الأهلي والنصر) في كأس الأبطال، ثم اتجهوا بالحديث عن أفضل لاعب كرة قدم في العالم هل هو (مسي أو رونالدو)؟؟؟ وختموا حديثهم عن ببطولة أوربا ومن سيفوز بالبطولة (بايرميونخ أم تشلسي)؟؟..

كل هذا لكلام كان لا يستهويني ولا يهمني ولا يعنيني كثيراً .. لكن الذي اشد انتباهي عندما أخذ الحديث منحى آخر، حينما ذكر أحدهم سخريةً ومتهكماً قائلا : بالله عليكم يا شباب متى تتوقعوا أن اليمن يفوز بكأس العالم.؟؟؟ وبدأ المجلس يضج بالضحك والنكت على اليمن وأهل اليمن، نكته تتلوها نكنه وسخريةً تليها سخرية، وعبارات تهكمية تنزل من قدر ومكانة اليمن وأهله، حتى ضاق صدري واحمرت أوداجي وتسمرت عيناي وبلعت ريقي..

بعد هذا الضجيج أوقفت حديثهم قائلاً : إن السخرية والاستهزاء والفوقية والتنابذ بالألقاب وغيره مما يصب في انتقاص الآخر سلوكيات جاهلية، ولهذا كان الإسلام سباق إلى تبيينه وتحريمه لهذه الممارسات الغير إنسانية وجعلها من دعوة الجاهلية، الناهية عن النظر باستخفاف ودونيه لعباد لله وخلقه..

أما تعرفون أن اليمن السعيد .. سعيد بأرضه .. سعيد بأهله .. سعيد بتاريخه .. سعيد بأصالته .. سعيد بثقافته .. سعيد بعروبته..

يكفي اليمنيين مدح رسولهم عليه صلوات ربي وتسليماته حينما قال (هم ارق قلوب والين أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية). وقبل ذلك قوله تعالى ( بلدة طيبة ورب غفور). فليس بعد هذا المدح مدح .. فتحية لأهل اليمن .. والفضل يعود بعد الله لهم في تعمير بلاد الخليج فهم معروفون من الأزل بالتجارة .. والناظر إلى دول الخليج وخاصة بلد الحرمين يرى كثرة الشركات التي أسسها الحضارم خاصة واليمنيين عامة..

لذا أنا اعتذر للشعب اليمني عن بكرة أبيهم مما قلتموه من إرهاصات ضد شعب ساهم في تنمية الخليج وكان ضمن الأيدي العاملة والعقول المفكّرة في المنطقة .. بالله عليكم هل يختزل اليمن وأهله بهذه النكت والضحكات، وبنبتة "القات"، وكأن على رؤوس من سخر ريشاً، مع أن اليمن لا فرق بينها وبين الخليج إلا بالاقتصاد والمباني، أما التأخر الثقافي والاجتماعي كلنا سواء وكما قيل (كلنا في الهوا سوا)..

في الجانب الثقافي يشترك شعب الخليج مع شعب اليمن في العيوب والمميزات، بل ربما كانت فطرية الفرد اليمني وقربه من الأرض وبعده عن منغّصات الحياة اليومية سبباً في تفوّقه الإنساني وهذا ما شاهدته أثناء زياراتي المتكررة لليمن السعيد من اللحمة والتواصل والتكافل الاجتماعي بين أبناء الشعب اليمني وغيرهم من شعوب الخليج، نعم هناك فارق اقتصادي وتنموي، لكن ليس الفارق الجوهري، نحن وإياهم نشترك في الثقافة والقبلية والانتماء وعاداتنا واحدة وسلوكنا واحد كلنا من "الدول النايمة" .. آسف أقصد الدول النامية..

لكن هناك الشيء الكثير من الملامح الأساسية التي تميز اليمن السعيد وشعبه الكريم الأصيل، والفرق بين اليمن والخليج، هو ما وصفه الأستاذ محمود صباغ حينما قال : "اليمن هي نحن من دون نفط"!. صدق بهذه العبارة التي اختصرت الكثير من الفوارق التي نزعم أنها تفصل شعوب الخليج عن الشعب اليمني العريق..

ثم هل الحضارة فقط هي بالتفاخر بالأرصدة والملابس والمباني والسيارات.؟؟ هل أنتم متناسين الأهم وهي العقول البشرية وتطورها، بالله عليكم أين عقول أهل الخليج مع توفر المال الوفير من الإبداعات والاختراعات والتنافس للتقدم لمصاف الدول الصناعية المتقدمة حضارياً وتكنولوجياً..

شعب الخليج دمّرته الطفرة فقد تحضر أقول نعم.!! لكن في الحجر أما في البشر فحدث ولا حرج، حتى صار كالطير الذي ضيّع مشيته ولم يستطع تقليد مشي الحمامة، لا بقي على الأصالة ولا هو لحق بالمعاصرة، أصبح في وسط الطرق، مذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء..

وهنا أتساءل ماذا لو ذهب النفط، ماذا سيبقى للخليج من اقتصاد؟!

بكل صدق وأمانة أهل الخليج ضرته النرجسية كثيراً وتناسى مشاكله الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية، فهي لا تعد ولا تحصى..

خلاصة الكلام أنا أومن أن الفرق بين شعب وشعب هو في رؤيته للحياة وطريقة عيشه ونمط الحياة وكيفية التطوير المستمر حتى يصل إلى الغاية المنشودة..

ومضة :

هناك دراسات في علم النفس نقول أن النكتة تبين الشعب الذي يسخر من آخر إنما يسخر من نفسه بطريقة عكسية حيث يتوهم انه بسخريته من الأخر يكون قد ابتعد من عيوبه أو تبرا منها مادام هناك من يأخذ نيابة عنه تلك العيوب والمشكلات لكنه واقعيا يعيش ذات العيوب والإشكالات..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق