الجمعة، 19 أكتوبر 2012

الرسول


الرسول الإنسان

إن التاريخ الإنساني منذ أن خلق الله البشرية ، لم يشهد ، مصلحا من المصلحين ، ولا قائداً من القادة ، ولا ملكاً من الملوك ، ولا أميراً من الأمراء ، ولا زعيماً من الزعماء ، ولا عظيماً من العظماء ، ولم يعرف العالم على الإطلاق رجل اختصه الله بكامل الصفات ، مثل محمد الإنسان صلى الله عليه وسلم في صفاته - الذاتية - العقلية - النفسية - الخلقية - الدينية - الإدارية - العسكرية - التربوية  - الروحية - الاجتماعية ، هذه الصفات أشرقت العالم من كل جانب من جوانبها وأضاءه في كل لمحة من لمحاته ، حتى استحق أن يصفه الله عزوجل بالنور في مثل قوله تعالى : (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين)..     

لهذا كانت سيرته أفضل سيرة ، وصفاته أجمل الصفات ، وأخلاقه أنبل الأخلاق ، وحياته أروع حياة وأوفاها وأشملها .. فاتصف صلى الله عليه وسلم بخلق التواضع مع الكل ، فنراه دائماً خافض الجناح - للصغير قبل لكبير - وللبعيد قبل القريب - ولا أصحابه قبل أهله - وللمرأة قبل الرجل - وللجارية قبل العبد - وللكافر قبل المسلم - فالكل في نظره سواء ، لا فرق ولا فضل لأحد على آخر إلا بالتقوى..

 

وأبلغ ما تتجلى في رسالته ودعوته أن رسالته عالمية ، وللثقلين (الأنس والجن). وليست دنيوية ، ولا يطلب من دعوته ملكًا ، أو يبتغي حكما ، أو يلهث وراء منصب دنيوي ، بل رسالة عالمية نبوية أخروية ، منطلقها الأول والأخير رضا الله عزوجل قبل كل شيء ، وغايتها إبلاغ رسالته العالمين (أنه لا إله إلا الله) – (وأن محمد رسول الله). فكان صلى الله عليه وسلم دائماً كثير القول : (إنما أنا عبد الله ورسوله)..

 

قال الله تعالى : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).. تؤكد هذه الآية حسن تعامله صلى الله عليه وسلم مع الضعفاء والفقراء والمساكين من الناس وأصحاب الحاجات ، فلم يكن يرى عيبًاً في نفسه أن يمسك يد العبد ويمشي معه في طرق واحد ، ويسمع لجارته حتى ينتهي كلامها ، ويقضي حاجة الأرملة ، ويساعد الفقراء والمساكين ، فتجده مع كل فرد من المجتمع في فرحه وحزنه ، فيواسي هذا ويساعد تلك قضاء. بل فوق هذا كله ، كان عليه الصلاة والسلام إذا مر على الصبيان الصغار سلم عليهم بلمسة حانية ، وداعبهم بكلام جميل وطيب.

 

ومن جميل علاقاته الاجتماعية مع أصحابه أن رسول الأخلاق عليه الصلاة والسلام ، كان إذا سافر مع أصحابه مشى خلفهم حتى لا يتأخر عنهم ، وتجدهم تحت نظره ورعايته وفي كنفه ، فيحمل الضعيف ، ويساعد ذا الحاجة..

 

أين هم اليوم العالم المتحضر ، والعالم الأول كما يدعون؟ من أخلاقه وصفاته ودينه صلى الله عليه وسلم ، فهو المنجي لهم من النار ، ثم قبل ذلك أين نحن المسلمون من التخلق بخلقه والعمل بدينه ، الذي جسده المصطفى عليه الصلاة والسلام في حياته أفضل تجسيد ، وقام به خير قيام ؟!. ولما العجب. وهو القائل عن نفسه : (إنما بعثت لأتمم مكارم) .. لأن الله عزوجل أرسله الله للناس كافة ، وجعله قدوة صالحة لهم ، ورحمة للعالمين.

 

وشخصية الرسول ودعوته العالمية لها بعد مهم في حياة البشر ، والغرب هو المستفيد قبل المسلمون ، فهو رسول ونبي ومبلغ عن ربه وهادي للناس أجمعين. فحينما نقرأ قوله تعالى : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). نقف أمام الآية لندرك سعة رحمة هذا النبي الكريم ، وكيف كان صلى الله عليه وسلم يفيض رحمة في خلقه وسلوكه وأدبه وشمائله. وإنه لتناسب وتآلف في أرقى مستوياته بين الرسالة والرسول في هذه الرحمة ، حتى لا يُتصور أن يحمل عبء بلاغ هذه الرحمة إلى العالمين إلا رسول رحيم ذو رحمة عامة شاملة فياضة طبع عليها ذوقه ووجدانه ، وصيغ بها قلبه وفطرته..

ومثال ذلك ما كان في فتح مكة!!! وكيف تعامل مع من أخرجوه من بلده ، وظاهروا على إخراجه وإيذائه؟ وكيف تعامل مع من حاصروه في شعب أبي طالب وتسببوا في وفاة أحب زوجاته إليه خديجة رضي الله عنها ، وفي وفاة عمه أبي طالب. فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضاً؟. لقد دخل مكة بعشرة آلاف مقاتل ، دخل على مركبه ، والدرع على صدره ، والمغفر على رأسه ، والسيف في يده ، والنبال على ظهره ، ولكنه مع كل مظاهر لباس الحرب ، كان أنموذجاً للرحمة والسلام .. فسأل أهل مكة : "ما ترون أني فاعل بكم؟". فأجابوه : " خيراً أخٌ كريمٌ وابن أخ كريم " فقال لهم ما قاله يوسف عليه السلام لإخوته : (لا تثريبَ عليكم اليوم يَغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين). ثم قال لهم : اذهبوا فأنتم الطُلَقاء)..

كان أكثر ما يدعو لقومه رحمة بهم : (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون). وكان أهل مكة مبيتي النية بقتل رسول الرحمة ، وهو لا يعلم بنيتهم الخبيثة ، فهل يوجد أرحم من هذا النبي الإنسان في مثل هذه الموقف.!!!

وعن جابر رضي الله عنه قال مرت بنا جنازة ، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا لها ، فقلنا إنها جنازة يهودي ، فقال صلى الله عليه وسلم : (أليست نفسًا .. إذا رأيتم الجنازة فقوموا).؟؟؟

وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث بعثًا أو جيشًا أوصاهم قائلاً لا تغلوا .. ولا تغدروا .. ولا تمثلوا .. ولا تقتلوا وليدًا .. ونهى صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان والأجير ، ما داموا غير مشاركين في قتال المسلمين .. ويدل على ذلك ما قاله الله تعالى عن نبيه : (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم)..

ومضة :
يوم القيامة الجميع يصرخ من هول المصيبة ، نفسي نفسي إلى محمد الرسول الإنسان ، والرحمة المهداة للبشر. كان حريص على أمته في أعظم مشهد .. وبعد أن ماج الناس بعضهم ببعض ، ذكر صلى الله عليه وسلم هذا المشهد حيث قال : يوم أن جاء الناس إلى الأنبياء يطلبون منهم المساعدة فكان دعوى الأنبياء يومئذٍ : اللهم سلم سلم. فقال عليه الصلاة والسلام فيأتونني الناس ، فأستأذن رسول الرحمة ربه الرحيم ، فأذن له ، فرفع يديه قائلاً : اللهم أمتي أمتي ، ثم بكى رحمة بأمته. فقال الله عزوجل : يا جبريل اذهب إلى محمد فسأله ما يبكيك ، فيقال له : سل تُعط واشفع تُشفّع ، فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد وقل له : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق