الجمعة، 19 أكتوبر 2012

الحِلْم خلق الأقوياء


الحِلْم خلق الأقوياء

الحِلْم دليل قوة إرادة صاحبه : وهو الأناة وضبط النفس عند الغضب وبه تكسب قلوب الأعداء قبل الأصدقاء .. وأفضل وسيلة لكسب الخصوم وتحويلهم إلى أصدقاء..

فقال تعالى : ‏‏( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) .. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس الشديد بالصُّرْعَة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب  (.. من منطلق هذه الآية الكريمة وهذا الحديث الشريف .. أنقل لكم هذه القصة الجميلة كانت بين صاحبيين جليلين رضي الله عنهم أجمعين .. حيث كان​ لعبد الله بن الزبير مزرعة في المدينة مجاورة لمزرعة يملكها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ، وكان معاوية آن ذاك خليفة المسلمين .. وفي ذات يوم دخل عمال مزرعة معاوية إلى مزرعة ابن الزبير ، وقد تكرر منهم ذلك في أيام سابقة ؛ فغضب ابن الزبير وكتب لمعاوية في دمشق وقد كانت بينهما عداوة ، قائلاً في كتابه : من عبد الله ابن الزبير إلى معاوية ( ابن هند آكلة الأكباد ) أما بعد..  فإنّ عمالك دخلوا إلى مزرعتي ، فمرهم بالخروج منها ، أو والذي لا إله إلا هو ليكونن لي معك شأن.!  فوصلت الرسالة لمعاوية ، وكان من أحلم الناس ، فقرأها..  ثم قال لابنه يزيد : ما رأيك في ابن الزبير أرسل لي يهددني.؟ فقال له ابنه يزيد : أرسل له جيشا أوله عنده وآخره عندك يأتيك برأسه ، فقال معاوية : بل خير من ذلك ، " زكاةً وأقربَ رُحماً ".. فكتب رسالة إلى عبد الله بن الزبير يقول فيها : من معاوية بن أبي سفيان إلى عبد الله بن الزبير ( ابن أسماء ذات النطاقين ( أما بعد..  فو الله لو كانت الدنيا بيني وبينك لسلمتها إليك ولو كانت مزرعتي من المدينة إلى دمشق لدفعتها إليك ، فإذا وصلك كتابي هذا فخذ مزرعتي إلى مزرعتك وعمالي إلى عمالك ، فإن جنة الله عرضها السموات والأرض.!  فلما قرأ ابن الزبير الرسالة بكى حتى بل لحيته بالدموع ، وسافر إلى معاوية في دمشق وقبل رأسه ، وقال له : لا أعدمك الله حلما أحلك في قريش هذا المحل..

حقا إن الحلم هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم ‏عفوا .. الأقوياء الذين لم يغب عن أبصارهم وأسماعهم ، قوله تعالى : ( وَلْيَعْفُوا ‏وَلْيَصْفَحُوا ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ )..

الحلم معناه أن لا تغضب لنفسك .. وأن لا تنتقم لنفسك .. بل اجعل الانتصار حين تنتهك محارم الله ، واجعل طاقة الغضب كلها لله. . فدائما تستطيع امتلاك قلوب البشر بحسن تعاملك وحبك الخير للآخرين .. فمهما أساء إليك بعض الناس جهلا أو عمدا .. حاول التغافل عن أخطاء الآخرين احتسابا لما عند الله ، وتذكر قوله تعالى : ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ) .. ثم لا تظن أنك ضعيف الشخصية أو أن طيبتك هي من جعلت الآخرين يستغلونك .. بل تظل طيبتك هي من تجملك أمام الجميع كإنسان شهم وكريم وحليم وعاقل .. ويكفي أنك تعطي ولا تنتظر من أحد أن يرد لك الجميل .. لكي ترتاح ويرتاح قلبك .. دوما لا تنتظر من أحد رد الجميل والمكافأة والمديح على جميل عطاءك وجمال تعاملك وطيبة نفسك الجميلة..  لأن ما عند الله خيرٌ لك وأبقى .. كما قال تعالى :  ( وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى )..

ومضة :

من درر الأقوال عن الحِلْم :

قال ابن القيم : فإِن المخلوق يحلم عن جهل ويعفو عن عجز، والرب تعالى يحلم مع كمال علمه ، ويعفو مع تمام قدرته ، وما أضيف شئ الى شئ أزين من حلم الى علم، ومن عفو إلى اقتدار ، ولهذا كان في دعاء الكرب وصفه سبحانه بالحلم مع العظمة ، وكونه حليماً من لوازم ذاته سبحان..

 

قال الأحنف : أياكم .. ورأي الأوغاد. قالوا : وما رأي الأوغاد ؟ قال : الذين يرون الصفح - والعفو عاراً..

 

وعن لأحنف أنه قال : ما عاداني أحد قط إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث خصال : إن كان أعلى مني عرفت له قدره ، وإن كان دوني رفعت قدري عنه ، وإن كان نظيري تفضلت عليه..

 

شتم رجل ابن عباس رضى الله عنه .. فلما قضى مقتله ، فقال : يا عكرمة ، انظر هل للرجل حاجة فنقضيها ؟ فنكس الرجل رأسه واستحى..

شتم رجل عدى ابن حاتم وهو ساكت .. فلما فرغ من مقالته قال : إن كان بقي عندك شئ فقل قبل أن يأتي شباب الحي، فإنهم إن سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا..

لقي رجل على بن الحسين رضى الله عنهما .. فسبه ، فثارت إليه العبيد ، فقال : مهلاً ، ثم أقبل على الرجل فقال : ما ستر عنك من أمرنا أكثر ، ألك حاجة نعينك عليها ؟ فاستحى الرجل ، فألقى عليه خميصة كانت عليه ، وأمر له بألف درهم ، فكان الرجل بعد ذلك يقول : أشهد أنك من أولاد الرسول..

اغتاظت عائشة رضي الله عنها على خادم لها ثم رجعت إلى نفسها فقالت : لله در التقوى ما تركت لذي غيظ شفاء ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق