الجمعة، 19 أكتوبر 2012

اتركوها


اتركوه لهم!!!

لا يخفى على الجميع ما يعانيه المستهلك من جشع التجار وحبهم للذات دون النظر لمصلحة المستهلك ، الذي هو سبب ثرائهم الفاحش ، لهذا أصبحت المقاطعة في هذا الزمن سلاح نستطيع من خلالها أن نوصل رسالة إلى الآخر عن تذمرنا وامتعاضنا من زيادة في منتج أو سوء التصرف أو من أي عمل مشين.

لكن الذي يشغل بالي في كل أمر يحصل لأمتنا بين وقت وآخر .. لماذا كل شيء في حياتنا دائما هي ردة فعل؟؟

ولماذا نتفاعل أياماً ثم نرجع إلى حياتنا الطبيعية ، وكأن شيئاً لم يحدث؟؟

منذ الأمس انهالت على جوالي عبر خدمة الواتساب الالكترونية ، عشرات الرسائل التي تدعو لمقاطعة الدجاج ، بسبب الزيادة في سعر الدجاج ، وبعضهم يستحلفك بالله بأن تعيد إرسالها إلى قائمتك.

في ظني أن أكثر من كان يدعو للمقاطعة بالأمس واليوم قد أكل الدجاج ، يعني مقاطعة فقط بالكلام والإرسال!! إذا نحن أمة ( نقول ما لا نفعل ). وأعتذر لهذه العبارة. والله تعالى حذرنا من هذا بقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون ، كبر مقتاً عند الله ، أن تقولوا ما لا تفعلون ).

إن الحل الأمثل هو أننا نحتاج فقط إلى قليل من ثقافة المقاطعة التي يمكن باستطاعتها رفع شركة وإنزال أخرى إلى الحضيض ، وبإرادتنا دون حملات ودعايات وتشهير ، وإضاعة للوقت والجهد والمال ، ولم يحرك أحدنا ساكن .. فقط بالإرسال ندعو للمقاطعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ، دون العمل !!!

بعيدا عن التنظير سأنقلكم إلى دولة أوربية متحضرة من العالم الأول كما يقولون ، هل سمعتم عن دولة الأرجنتين؟؟ سأنقل لكم قصة قرأتها عن تلك الدولة المتحضرة عن كيفية المقاطعة الناجحة المثمرة ، وجاءت الفرصة اليوم لأنقلها لكم كما قرأتها ، وهي ليست من نسج خيالي ، ولا من أحلامي السعيدة ، بل هي من أرض الواقع التي تدل على الوعي في ثقافة المقاطعة المؤثرة.

القصة كالتالي : في يوم من الأيام استيقظ مواطن أرجنتيني قبل سويعات من عمله ، واتجه كعادته اليومية إلى السوبر ماركت ليشتري بعض احتياجاته. اتجه إلى رف البيض وأخذ طبق البيض ، وعندما سأل البائع عن السعر وجد بأن هُناك زيادة واحد لبيزو .. (عملة أرجنتينية ). !! ، مباشرة سأل لماذا هذه الزيادة ؟؟ فأجاب البائع شركة الدواجن رفعت سعر البيض واحد لبيزو ، مباشرة أخذ المواطن الأرجنتيني الطبق وأعاده مكانه ، وقال هُناك أمور تعوضني عن البيض لا داعي اليوم للبيض!!

وكل مواطن أرجنتيني دخل السوبر ماركت عمل نفس الطريقة دون حملات ورسائل توجيه بالمقاطعة!! فماذا كانت النتائج!! ، في اليوم الثاني أتى عمال الشركات لإنزال إنتاج اليوم في محلات السوبر ماركت ، فرفض بعض الباعة أن ينزلوا أي حمولة جديدة لأن إنتاج الأمس لم يتزحزح من مكانه ، فلم يشتري أحد في ذلك اليوم!! والبعض الآخر طلب تبديل إنتاج الأمس بإنتاج اليوم!!

هل تدرون ماذا حصل بعد ذلك؟؟ قالت : شركات البيض بأنها المقاطعة ستنتهي في غضون أسبوع وبعدها سيعود الناس للشراء. لكن الأمر لم يختلف فلازال الشعب الأرجنتيني مقاطع بعض مضي أسبوعين ، وشركات البيض بدأت تخسر.!!

 تخيلوا معي الموقف!!! الشركات تخسر لإطعام دجاجها وكذلك الإنتاج لا يتوقف فالدجاج لازال ينتج بغزارة ، تراكمت الخسائر على تلك الشركات وتضاعفت ، وبعد هذا كله اجتمع تجار شركات الدواجن ، وقرروا إعادة البيض لسعره السابق فماذا كانت النتائج؟؟

واصل المواطن الأرجنتيني في مقاطعة البيض والشركات تكاد تفلس ، والمسئولين عنها جن جنونهم لما يحدث!! ثم اجتمع التجار مرة أخرى وقرروا القرارات التالية :

* تقديم اعتذار رسمي للشعب الأرجنتيني عن طريق جميع وسائل الإعلام!!

 *تخفيض سعر البيض عن سعره السابق بربع القيمة السابقة !!

أيام حكم عمر بن الخطاب اشتكى المسلمون للفاروق رضي الله عنه من غلاء اللحم وجشع الجزارين ، فقال عبارة من كلمتين اثنتين فقط لا غير : ( اتركوه لهم )!!!

ومضة :

إنها ثقافة شعب في فن المقاطعة الناجعة ، بالاستمرار ومواصلة مقاطعة البيض حتى رضخ التجار لمطالب الشعب .. إنها حملة وحرية شعب لا يرضى بأن تبتزه الشركات الجشعة في أمواله.
المقاطعة : ليست رسائل أو كلمات أو مواضيع تكتب في الوتساب أو في المنتديات أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي .. المقاطعة : هي ثقافة مجتمع واعي ومتحضر متكاتف ومتعاضد بعيداً عن الأنانية واللامبالاة ، وتجد شريحة صادقه ومتحمسة وترغب في المقاطعة ، وعلى النقيض تجد في الجهة المقابلة شريحة من المجتمع غير مبالية بل تسخر من المقاطعة وتنسف لأي جهود بذلت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق